You are currently viewing مياه الصرف الصحي في الزراعة “خطر صامت”

مياه الصرف الصحي في الزراعة “خطر صامت”

مياه الصرف الصحي في الزراعة “خطر صامت”
في ظل تزايد الضغط على الموارد المائية حول العالم، يلجأ بعض المزارعين إل ى استخدام مياه الصر ف الصحي في ر ي المحاصيل الزراعية، باعتبارها بديل ا سهل ا ومتاح اا. ورغم أن هذه الممارسة قد تقُلل من استهلك المياه العذبة، إلا أن لها العديد من الآثار السلبية التي تهدد صحة الإنسان وسلامة البيئة وجودة المنتجات الزراعية. فتحتوي مياه الصرف غالبا على ملوثات كيميائية وبيولوجية، مثل المعادن الثقيلة والبكتيريا الضارة، التي يمكن أن تتسرب إلى التربة والنباتات، مما يشكل خطرامباشر ا على المستهلكين. في هذه المقالة، سنسلط الضوء على أبرز الأضرار الناتجة عن استخدام هذه المياه، ونناقش انعكاساتها البيئية والصحية
مياه الصرف الصحي غالبا ما تكون محملة بالملوثات الميكروبية مثل البكتيريا، الفيروسات، والطفيليات، بالإضافة إلى المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة وعند استخدامها في سقاية الخضروات، تنتقل هذه الملوثات إلى المنتجات الزراعية،ومنها إلى المستهلك مباشرة، خاصة إذا تم تناولها نيئة أو لم تغُسل جيدا.
من بين أخطر الأمراض البكتيرية التي قد تصيب الإنسان في هذه الحالة، نجد الكوليرا، التي تسبب إسهالا ا حاد قد يؤدي إلى جفاف خطير، وكذلك التيفوئيد أما بعض أنواع الإشريكية الكولونية7E. coli O157:Hفقد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الفشل الكلوي، خصوصا لدى الأطفال.
الأمر لا يتوقف عند البكتيريا فالفيروسات أيضا تجد في هذه البيئة الملوثة مدخل لها إلى الجسم البشري مثل فيروس التهاب الكبدA ، الذي يسبب اليرقان والإرهاق الحاد، أو فيروس الروتا الذي يسبب الإسهال الحاد عند الأطفال، وقد يؤدي إلى جفاف يتطلب تدخ الطبي العاجل ا.
أما الطفيليات، فهي تشكل خطرا آخر، إ ذ تنتقل إلى الإنسان مسببة أمراض مثل الجيارديا أو الأميبا، التي تترافق مع مغص وإسهال مزمن وفقدان الوزن. كذلك تؤدي بيوض الديدان الموجودة في التربة أو المياه إلى الإصابة بأنواع متعددة من الديدان المعوية، والتي تضر بالجهاز الهضمي وتضعف المناعة.
إلى جانب هذه الملوثات البيولوجية، هناك ملوثات كيميائية لا تقل خطورة، مثل الرصاص والزئبق والكادميوم. هذه الموادالسامة قد تتراكم في الجسم وتسبب مشاكل صحية مزمنة تشمل اضطرابات عصبية، فشل كلوي، ومشاكل في العظام. كذلك،فإن بقايا المبيدات والمركبات الصناعية الموجودة في مياه الصرف قد ترتبط بالإصابة ببعض أنواع السرطان.
يضاف إلى ذلك الضرر على الحيوانات سواء عن طريق الشرب المباشر أو من خلل استهلك الأعلاف المزروعة بهذه المياه، يؤدي إلى الإصابة أيضا بأمراض بكتيرية وفيروسية خطيرة. من أبرز هذه الأمراض: السالمونيل والجمرة الخبيثة، واللتان تسببان اضطرابات هضمية، تقرحات، وفقدانا في الوزن، وقد تكونان مميتتين في بعض الحالات. كما يعُد داء البروسيلت
والحمى القلعية من الأمراض الفيروسية المرتبطة بالمياه الملوثة، حيث تؤدي إلى مشاكل تكاثرية حادة، وضعف في الإنتاج الحيواني، وإصابات جسدية مزمنة.
كما تساهم هذه المياه في انتشار الطفيليات المعوية مثل الكوكسيديا والجيارديا، والتي تؤدي إلى إسهال دموي وهزال عام، لاسيما لدى صغار المواشي والدواجن. وتكمن خطورة هذه الإصابات في صعوبة اكتشافها المبكر، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتشار واسع للعدوى داخل القطعان.
ومن جهة أخرى، يعُد التلوث الكيميائي الناتج عن المعادن الثقيلة والمبيدات من أخطر أشكال التهديد الصحي غير المباشر.
فالمواد السامة مثل الرصاص، الزئبق، الكادميوم، إضافة إلى النترات والنيتريت، تتراكم تدريج ايا في أنسجة الحيوانات كما في الإنسان وتؤثر سلابا على الكبد، الكلى، والجهاز العصبي، وقد تؤدي إلى ظهور اضطرابات سلوكية، تأخر في النمو، وتراجع في القدرة الإنتاجية لدى الحيوان.
ولا تتوقف هذه التأثيرات عند حدود صحة الحيوان، بل تمتد لتنعكس على جودة وسلمة المنتجات الحيوانية، حيث تصبح اللحوم، الحليب، والبيض بيئة محتملة لنقل الملوثات إلى المستهلك البشري. كما يترتب على ذلك خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة ضعف الإنتاج الحيواني.
في النهاية تتضح خطورة استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الري، خاصة في المجتمعات الزراعية التي تعاني من ندرة الموارد المائية وتفتقر إلى أنظمة رقابة عالة. فهذه الممارسة، وإ ن بدت حلا مؤقتا للتغلب على أزمات المياه، تحمل في طياتها مخاطر صحية وبيئية جسيمة، بداء من انتقال الأمراض إلى الإنسان والحيوان، وصولا ا إلى تدهور التربة وتلوث المنتجات الزراعية.
إن استمرار الاعتماد على هذا النوع من المياه دون معالجة يهدد بشكل مباشر سلامة الغذاء والأمن الصحي للمجتمعات ومن هنا، لا بد من التعامل مع هذه المشكلة باعتبارها أولوية بيئية وصحية واقتصادية تتطلب حلولا متكاملة تتجاوز المعالجة التقنية لتشمل الجوانب التوعوية والتنظيمية.
وتكمن الخطوة الأولى في المعالجة الحقيقية لهذه الأزمة في تأمين وحدات معالجة فعالة لمياه الصرف الصحي، تتيح إعادةاستخدامها ضمن حدود آمنة ومراقبة. فالمعالجة البيولوجية والكيميائية لمياه الصرف ليست ترفا بل ضرورة ملحة، تضمن تقليل نسب الملوثات إلى المستويات المسموح بها وفقاا للمعايير الدولية المعتمدة. كما يجب توجيه استخدام هذه المياه، حتى بعد المعالجة، نحو زراعة محاصيل غير مخصصة للستهلك البشري المباشر، كالأشجار الصناعية أو النباتات المستخدمة لأغراض غير غذائية.
إلى جانب ذلك، تعُد التوعية المجتمعية عنصر محوريا لا غنى عنه. فرفع وعي المزارعين بخطورة استخدام المياه الملوثة، وتدريبهم على الممارسات الزراعية الآمنة، من شأنه أن يحد من انتشار هذه الظاهرة. كما تبرز الحاجة إلى تفعيل الأطر القانونية والرقابية، لضمان عدم استخدام مياه الصرف في الزراعة دون إشراف أ و ترخيص، ولإجراء فحوصات دورية للمزروعات والمياه والتربة.
ولا يقل دعم البنية التحتية للصرف الصحي في المناطق الريفية أهمية عن باقي الحلول، إذ يسُهم الاستثمار في شبكات المعالجة في الحد من الاعتماد على المصادر الخطرة، ويعُزز من قدرة المجتمعات على استخدام مواردها بشكل مستدام.
وهكذا، فإن معالجة هذه القضية لا تقتصر على الحلول التقنية، بل تتطلب تدخل شامل يجمع بين السياسات الفاعلة، الوعي المجتمعي، والإدارة الرشيدة للموارد، بما يضمن حماية الصحة العامة، والحفاظ على البيئة، وتحقيق الأمن الغذائي للأجيا لالقادمة. د.وارين بركات
المصادر العلمية:
.1 WHO – Guidelines for the Safe Use of Wastewater, Excreta and Greywater
.2 WHO – Sanitation and Health
.3 FAO – Wastewater use in agriculture: not only an issue where water is scarce
.4 FAO – Health risks of using untreated wastewater in agriculture

اترك تعليقاً